حرب قبل الحرب على أطفال اليمن
9:34:04 AM 2019-06-16 منذ : 1989 يوم
حرب قبل الحرب على أطفال اليمن
يعيش أطفال اليمن مآسي مفجعة لا يستطيع أي إنسان أياً كانت ديانته أو ملته إن يتحمل فواجعها، فأطفال اليمن تقتل براءتهم ويقهر شعورهم بالأمان النفسي وتغيب عنهم الطمأنية ويصرن نهبا للهلاك، ليس فقط بفعل الحرب الهوجاء التي اراقت الدماء ودمرت البيوت ورملت النساء ويتمت الصغار فحسب، ولكن أيضا بسبب تقاليد اجتماعية بالية ترى في الطفلة الأنثى عبئاً اقتصادياً وعبئاً اجتماعياً يجب التخلص منه أمّا بالزواج أو القتل تحت مزاعم رد الشرف.
الواقع المؤلم يؤكد إن المجتمع اليمني يعاني من هذه الآفة اللاانسانية بتزويج القاصرات من عمر ثماني سنوات، وذلك إستناداً لأعراف قبلية وتعتبر زواج الاطفال الصغيرات ستراً لهن، وأطهر، من الوقوع في الفاحشة عندما تبلغ سن الشباب.
وهذه رؤية قبلية لا تراعي قيم الإنسانية ومعاني الرحمة بالطفولة لأنها تفترض في الأنثى الرذيلة والشر وهي منها براء، كما تعكس المفاهيم المغلوطة حقيقة إن مثل هذه الطبيعة القبلية هذه تريد إن تريح نفسها من مسئولية تربية البنات على العفة والعفاف ومسئولية غرس القيم الروحية الأخلاقية عبر مراحل تنشئتها، وليس لديها صبر في تكوين شخصيات نسائية مثقفة وواعية بدورها الانساني في بناء المجتمع لذلك فان هذه العادات والتقاليد تحرر الاسرة من مسئولية رعاية الصغار وتلقي بهن الموت عبر هذا الزواج المبكر.
فمزاعم باطلة يروجها مدعي الفضيلة ومنها الحفاظ على سمعة الفتيات بتزويجهن صغيرات، وكانت النتجية المفجعة ان تم تسجيل اليمن كبلد عربي وحيد في قائمة أكثر 20 دولة تمارس الانتهاك ضد الفتيات الصغيرات بزواج القاصرات، وسجلت الأرقام الدولية أيضا أن أكثر من نصف نساء اليمن يتزوجن قبل إتمام الــ18 عامًا.
الحرب وزيادة الفاجعة
ومع تنامي التناحر السياسي والعسكري والحرب الدائرة وزيادة معدلات الفقر وتسرب الفتيات من التعليم بفعل هذه الحرب وسيطرة بعض التيارات الدينية المتشددة على اليمن ارتفعت مؤشرات زواج القاصرات في انتهاك صارخ لطفولتهن ولأحلامهن في المستقبل خاصة بين تجمعات النازحين في محافظات مثل حجة، والحديدة وحضرموت.
وسجلت المراكز المتخصصة ارقام مفزعة في هذا الشأن حيث إن أكثر من اثنين وسبعين في المائة نسبة زواج القاصرات في اليمن، بسبب ظهور الفتاوى الدينية، التي تشرع زواج الفتيات الصغيرات، والأعراف القبيلة التي تجعل من الفتاة سلعة تباع وتشترى، بحسب الحاجة، دون مراعاة مشاعرها، واخذ اذنها.
فعشرات الأطفال يتم تزويجهن يوميا دون سماع لصراخهن الرافض ودون نظرة شفقة في عيون ذويهن وهم يرمون بهن الى التهلكة، خاصة وان الكثيرات منهم اما رجعن مطلقات أو أرامل في العشرينات من العمر، أو عرف الموت طريقه اليهن سريعا لأن جسدهن الضعيف لم بحتمل الزواج أو الإنجاب بسبب عدم إكتمال النمو البيولوجي لجسدها.
وكم من الآلام النفسية والعصبية التي تتحملها الطفلة اليمنية وهي تتعرض للاغتصاب وقهره ومذلته تحت وطأة الزواج القصري برجل قد يكبرها بسنوات كثيرة ولا يرحم طفولتها امام سطوة حقوقه المزعومة وتحملها مسئولية أكبر بكثير من قدرتها العقلية والنفسية على التحمل، في الوقت التي تنعم قريناتها باللهو ومرح الطفولة والتنزه مع اهلها وصديقاتها بينما لا تجد الطفلة الصغيرة من تحتمي به لينجدها من مصير الموت لا الأسرة ولا المجتمع ولا القانون، خاصة وإن الدستور اليمني لم يتضمن تشريعا قانونيا لتجريم زواج الصغيرات.
#
ميراث الموت
وكما تتباهي بعض القبائل اليمينة بالمحافظة على ثقافتها وعادتها وتقاليدها ومنها تزويج الأطفال في الثمان سنوات، فان هذه التقاليد البالية تمثل ثقافة الموت الفعلي، وهذا ما اكدته العديد من الحوادث المؤلمة لاطفال يمنيات اما توفين خلال حملهن أو خلال وضعهن للمولود، أوفي ليلة الزواج كما حدث مع الطفلة " روان " ابنة الثماني اعوام حيث لقيت حتفها ليلة زواجها من رجل في الأربعين من عمره لم يرحم طفولتها وجسدها النحيل الذي لم يكتمل النمو بعد.
فهذه الحادثة تعد أنموذجا صارخا على بشاعة الجرائم التي تتعرض لها الطفلة اليمنية بايدي ذويها ومجتمعها الذي لا يرحم. فمثل هذه الجريمة لا يقرها شرع ولا دين ايا كان سماوي او ارضي لانها جسدت افظع صور الاعتداء الجسدي والنفسي بحق طفولة بريئة لا تعي من الحياة شيء سوى اللهو بدمية اوبعروسة او وردة حمراء تقتطفها من البستان لتزين بها فستانها الابيض.
وبرأيي ان هذه الجريمة كان ينبغي ان ينتفض العالم الاسلامي من أجلها والمجامع الفقهية التي تملأ اركان دولنا العربية والإسلامية وهيئات كبار العلماء لتجريمها وتبرز حرمتها لدى الخالق العظيم وتبين جزاء من ارتكب جريمة القتل من الزوج إلى الأسرة والقبلية باعتبارها جريمة قتل متكاملة الأركان.
فاذا كانت العادات والتقاليد تأخذنا بهذا الشكل البشع إلى الموت فلتذهب هذه التقاليد الى الجحيم وتبقى الحياة التي هي منحة وهبة إلهية يجب علينا الحفاظ عليها والتنعم بها. كما إن الخالق العظيم قد كرم بني آدم كما ذكر في محكم كتابه بقوله تعالى " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر " فلماذا ان نمنع هذا الكرم الإلهي لنا ونصر على إذلال صغارنا وقهرهم دون رحمة. فقد أكد رسول الانسانية على اهمية الرحمة بالصغار، وان من لا يرحم الصغار فقد خرج من الملة المحمدية وذلك في حديثه الشريف صلى الله عليه وسلم " ليس منا من يرحم صغيرنا ولا يوقر كبيرنا ".
جرائم الشرف
كما تتعرض الطفولة اليمنية للقتل بجرائم الشرف وإن أغلبها يتم في إخفاءه بعيداً عن أعين المجتمع لطمس معالم الحقيقة والقليل منها ما تكشف الانباء الصحفية عنه مثلما حدث مع الطفلة " مآب " عشر سنوات، التي عثر عليها راعي غنم مرمية في منطقة جبلية تابعة لمحافظة إب وسط اليمن، وذلك بعد ان عذبها والدها وأطلق عليها الرصاص ثم رميها من أعلى منحدر جبلي، بينما برر الأب جريمة الشنعاء قتل ابنته على خلفية قضية شرف لم يوضح تفاصيلها.
هذه الجريمة توضح ان عقل الاب قد غاب كما ضاعت منه رحمته وانتصر للجهلة بعودته لزمن الجاهلية مجددا وجرائم وأد البنات، فهذا الاب لم يدافع عن عرضه ولا شرفه عندما اغتال صغيرته، بل مرمغ سمعته في الطين واهال على نفسه لهيب جهنم لانه لم يرحم طفلة صغيرة من صلبه تعرضت لحادث اغتصاب ظلما و بهتانا وعنف لم تقوى عليه، وبدلاً من ان يسأل بنته عن الجاني ليعاقبه او يقدم للمحاكمة عاقب الصغيرة التي لاذنب لها سوى براءتها.
فالطفلة " مآب " لا يمكن معاقبتها وفقا للشرائع السماوية ومنها الإسلام لانها معتدى عليها وليست موافقه أو مشاركة أولاً و من ثم هي أساسا طفلة لم تبلغ بعد ويقام عليها حد، بل من وقع الاعتداء بحقها وكان ينبغي ان يسعى الاب الى معرفة الجاني لتوقيع العقاب عليه حتى لا يكرر جريمته بحق اطفال اخريات.
وهناك الكثيرات من الأطفال اليمنيات اللواتي زهقت أرواحهن في جرائم الشرف دون التيقن حتى من وقوعهن في اي رذيلة، بل رحن ضحية الشك والقتل بالظن، وهو ما يخالف الشريعة الإسلامية، حيث أكد الكثير من العلماء بالازهر وغيره من المؤسسات الإسلامية العريقة، ان الاصل في الإسلام الستر، وأن القتل بالظن أو حتى القتل كجزاء قتل الشرف هو قتل غیر جائز شرعا لان الشریعة الإسلامیة وضعت شروطا وضوابط لذلك منها طلب شهادة أربعة شهود عدول وغيرها من الضوابط وحتى اذا ثبتت هذه الجريمة فان أمرها يترك للقضاء باعتباره مسئولاً عن ذلك امام الله والقانون.هذا إن كانت بالغة و راشدة أصلاً لأن قبل ذلك لاحكم على الطفل.
لكننا للأسف استدعينا شريعة الغاب واستحللنا دماء الأبرياء بزاعم الحفاظ على الشرف والتقاليد والأديان منه براء، و مادام هذا الامر بهذا الأهمية لديهم لماذا لا يوجهون جهودهم بالتربية و التوجيه و الإصلاح بدلا من إلقاء التهم على بناتهن و كأنهن بلا تربية او وازع ديني و هن اصلا خلاف ذلك إلآ إن العقلية الجاهلية معشعش في مخيلة وأوهام ذويهن ،حتى في الغابة هناك قوانين تحكم بها الحيوانات، فلماذا نحن البشر نرفض الضوابط الأخلاقية والشرعية والإنسانية التي ترحم إنسانيتنا وتحافظ على حياتنا؟
ولماذا نصر على استدعاء ثقافة الموت دون الانتصار للعقل وضوابطه؟ ولماذا لا نستدعي ثقافة الحياة المليئة بالرحمة والعطف على الصغار وعدم انتهاك حرمة براءتهم المقدسة؟
أظن إننا في أشد الحاجة إلى تشكيل وعي انساني عربي جديد ينطلق من آفاق أدياننا السماوية والسمحة وينشر ثقافة فضائل الرحمة والعدل والإنسانية ويعري ويفضح كل الموروثات القبلية التي تكرس لموت الصغار وتنهتك حقهم في الحياة .
وهذا يتطلب عملاً جماعياً من النخب الثقافية والدينية والإعلامية في المجتمعات العربية، بحيث تضع إستراتيجيات عملية قابلة للتطبيق على الارض وتصل للمناطق القبلية والجبلية والأماكن المهمشة لتنشر فيها ثقافة الحياة والرحمة وحق الإنسان في حياة أمنه بعيدا عن موروثات مميتة للإنسان.
ويتواكب مع الإستراتيجية سن تشريعات قانونية ملزمة لمنع زواج الأطفال القاصرات وتحديد سن الزواج بثمانية عشر عاما كحد أدنى لتكون الفتاة حاضرة نفسيا وجسدياً واجتماعياً للزواج وتحمل مسئولية بناء أسرة جديدة في المجتمع.