الاستهداف المتواصل للسعودية ومصر
4:24:10 AM 2019-09-29 منذ : 1883 يوم
الاستهداف المتواصل للسعودية ومصر
(جريدة الشرق الأوسط):خطابا إردوغان وروحاني في اجتماعات الجمعية العامة لللأمم المتحدة استهدفا المملكة العربية السعودية ومصر؛ لأن هدف الاثنين معاً هو سقوط الدولة المصرية والدولة السعودية، ولم يكن للاثنين أن يستمرا في غيهما لولا وعود من طرف ثالث باستئناف ما تم تعطيله عام 2011، تلك في رأيي هي «صفقة القرن» الحقيقية.
صفقة القرن الحقيقية ليست توطين الفلسطينيين في الدول العربية لدعم إسرائيل كما يشاع، بل هي سقوط كل من المملكة العربية السعودية ومصر وقيام دولة الجماعات الإسلامية برعاية تركيا وإيران اللتين تعهدتا بأمن إسرائيل وبقيادة أجهزة استخبارات أجنبية.
اليسار الأميركي متمثلاً في إدارات عدة توالت على الولايات المتحدة عملت على تفتيت الدول العربية وتقسيمها وتحطيم جيوشها وسقوط أنظمتها، وهي الصفقة التي عقدت عام 2003، وتستحق أن يطلق عليها «صفقة القرن»؛ نظراً لحجم المساحة الجغرافية التي كانت ستطالها التغييرات وتشمل منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى طبيعة هذه التغييرات التي قررتها تلك الصفقة، والأهم أنها بدأت مع بداية الألفية الثانية، أي مع بدء قرن جديد.
أعد لهذه الصفقة منذ ذلك الحين إعداداً جيداً بدأ بعقد اللقاءات التي جمعت أجهزة الاستخبارات الأميركية مع قيادات الجماعات الإسلامية السنية في تركيا عام 2005، والشيعية في بغداد عام 2004 بعد بسقوط العراق، ثم بدأ العمل بدعم امتداد إيران في سوريا والعراق وتقوية «حزب الله» في لبنان، ودعم تلك الجماعات في البحرين والسعودية والكويت واليمن، بتدريبها وتمويلها وفتح الأبواب في الداخل الأميركي لصناعة الدمى التي ستقود الحراك بعد عشرة أعوام، وامتدت الصفقة بدعم الأقليات كالكرد والإيزيدين والعلويين والشيعة في عالمنا العربي ومطالبهم الانفصالية، وتدريب قيادات الجماعات الدينية السنية والشيعية واحتضانها.
صفقة القرن الحقيقية هي هذا التفتيت والتقسيم بحجة دعم الديمقراطية وتمكين الأقلية، وتوجت بالربيع العربي المدعوم وبشدة من اليسار الأميركي وبتمويل وحضانة قطرية، وبتوجيه من أجهزة الاستخبارات الأميركية والبريطانية والإسرائيلية.. هذه هي صفقة القرن الحقيقية، التي تصدت لها مصر والسعودية ومن عطل العجلة وأوقف الصفقة.
اليسار الأميركي والأوروبي يكافح من أجل عودته وعودتها، واستمرارها التي لم يعطلها سوى صعود تيار «الشعبويين» أي اليمين الأميركي الذي لا يمثله الرئيس ترمب فقط، بل لهذا التيار قيادات متعددة أغلبها في الدوائر العسكرية، وله رؤية مختلفة للتعامل مع التحديات الخارجية للولايات المتحدة، مفضلاً الاحتفاظ بالتحالفات القديمة مع الدول العربية، وإن كان على أمن إسرائيل فإن هذا التيار يعد بأن يحققه مع بعض الأنظمة العربية القائمة وليس بالضرورة مع الجماعات الإسلامية، كما اتفقت تلك الجماعات مع اليسار الأميركي.
دعم أوباما اللامحدود لإيران ودعمه جماعة «الإخوان» كانا لبّ الصفقة التي عقدتها أجهزة الاستخبارات الأميركية مع إيران وتركيا، وقطف ثمارها كاد يكون قاب قوسين أو أدنى لولا فوز ترمب ونهوض التيار المعارض.
الصراعات في الداخل الأميركي وفي الداخل الأوروبي بين هذين التيارين هو ما يغذي استمرار أمل إيران وتركيا ببقاء الصفقة، والأمل في استئناف ما تم تعطيله وإفشاله هو ما يغذي الحالمين بعودتها، وهو الذي تحاول إيران وتركيا أن تفعلاه كسباً للوقت على أمل سقوط ترمب إما بإقالته أو بعدم تجديد ولايته الثانية.
إنما غاب عن حلفاء هذه الصفقة أن زمن عقدها مرت عليه تغيرات كثيرة، أهمها أنها عقدت في 2011 واعتمدت فيه حينذاك اعتماداً كلياً على فوضى الداخل، وعلى خلق حاجز نفسي بين الجيوش العربية والشعوب، وإيكال المهمة لتلك الشعوب لزعزعة الأمن المحلي وتصديها وتحديها للجيوش، غاب عن هؤلاء أن هذا ليس هو الحال عام 2019، أي بعد مرور تسعة أعوام على الدمار الذي خلفته صفقة القرن هذه في الدول التي نجحت فيها. لقد حولت نتائج هذه الصفقة التدميرية الشعوب العربية إلى حصن للأنظمة القائمة وحامية للجيوش العربية المتبقية، كما غاب عن هؤلاء أن الأنظمة تعلمت الدرس، وأن قوة تلك الأنظمة مستمدة الآن من التفاف شعوبها حولها لا من تحالفاتها.
فعلى أطراف صفقة القرن وحلفائها ومن يفكر منهم من تلك الجماعات المتحالفة مع تركيا وإيران، والواهمة بدعم من قوى اليسار الأميركي على مساعدتها في زعزعة الأمن في أي من الدول العربية الصامدة، عليه أن يعلم أنه سيواجه الشعوب العربية قبل الجيوش وقبل رجال الأمن، فهذا وضع مستجد لم يكن في حسبان اليسار الأميركي الأوروبي ولا حسبان تركيا وإيران ووكلائهما، فلينعق أي منهما في أي محفل دولي فإنه لن يخاطب إلا نفسه.