فلسطين بين سندان العاطفة ومطرقة الحقيقة
2:01:42 AM 2019-06-30 منذ : 1974 يوم
فلسطين بين سندان العاطفة ومطرقة الحقيقة
(جريدة اليوم السعودية):- تتناقض العاطفة والسياسة حتى أن كليهما يفسدان بعضهما، والأسوأ أن يتم استخدام لغة العواطف والشعر في أي ممارسة سياسية خاصة إذا كانت تلك الممارسة صعبة ومعقدة، فالسياسة لها أسلوبها ولغتها المجردة التي تضع العواطف جانبا لتصبح أكثر براغماتية وواقعية وموضوعية، بدون ذلك فإن من يستخدم خطابا عاطفيا أو شعريا أو نثريا يتوه ويضل الطريق الذي ينتهي إلى التسويات والمعالجات الذكية التي تفك تشابك التعقيدات السياسية.
لماذا بقيت القضية الفلسطينية دون حل أو تسوية سياسية منذ النكبة أي منذ عام 1948م وظلت الأجيال العربية المتعاقبة تتعامل معها في إطار ثوري يتعاطى مع الحق العربي بكل العاطفة الشعبية واللغة الشعرية والخطاب الهائج الذي علك جلد البلاغة دون أن يصل إلى انتزاع ذلك الحق؟ ببساطة، ذلك بسبب العاطفة وليس غيرها، فحين دخلت في التعاطي السياسي مع الحق العربي في الأراضي الفلسطينية ضاع طريق الحق وسط العرب بشكل عام، ووسط الفلسطينيين أنفسهم، ولم تفلح حتى إدارة الحروب العربية في عام 48م ثم 56م ثم 65م في تحقيق نصر يخلخل التفاوض حول ما تم انتزاعه من الأرض العربية بل انتهت إلى كوارث عرفت في أدبياتنا وتراثنا بأسماء النكبة والنكسة وغيرها من المترادفات التي تجعلنا ضحية تاريخية ومستمرة للخلل في الخطاب السياسي ولغته العاطفية والشعرية.
الآن ونحن نتابع وقائع مداولات ما يعرف بصفقة القرن تجد من ينتقدون ويكتبون الأشعار ويرفضون المبدأ في الجلوس على موائد الحوار مع الطرف الآخر بهدف تحقيق اختراق يكسر رتابة الهوان التاريخي في التعاطي مع الاستحقاقات العربية، وذلك في وقت لا يملك فيه هؤلاء سوى الخطاب والشعر الذي ينتظرون منك أن تقول مع آخر النص "صح لسانك" وهو لا صحيح ولا يحزنون، لأنه يسهم في تخريب عملية سياسية مقعدة ومعقدة منذ عقود.
هذا الأمر أشار إليه الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة خلال زيارته إلى مدينة أريحا منتصف الستينيات الميلادية ودعا إلى ترك لغة العاطفة والبحث في تعامل واقعي مع حقائق الأرض، داعيا إلى التعامل الإيجابي مع القرار الأممي الخاص بالتقسيم بنسب متساوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين (49% لكل طرف) ولكن أصحاب الشعر والخطاب العاطفي عبأوا الرأي العام الفلسطيني والعربي بالرفض ونظموا الأشعار والخطب الجماهيرية ولم يحصل الفلسطينيون على شيء.
بعد ذلك رفض العرب كامب ديفيد واتهموا الرئيس المصري الراحل أنور السادات بالعمالة وبيع القضية فيما حصل على أرضه واكتشفوا بعد فوات الأوان أنه حصل على أفضل تسوياته لأنه تجاوز أصحاب الأشعار والخطب الرنانة، وبعدها حصل الفلسطينيون على قبضة هواء بحجم غزة ثم حبة خردل في أوسلو منتصف التسعينيات، وهي تتضاءل إلى أصغر من ذلك لأن من يديرون التفاوض يتمترسون خلف لغة الشعر والخطاب العاطفي، لذلك لا مناص من المضي قدما في جلسات حوار البحرين فيما يتعلق بوضع القضية الفلسطينية وتجاهل تجار القضية والحالمين لأنهم في نهاية المطاف لن يكفوا عن الرفض لأنهم يقتاتون من تعليق القضية وبقائها بلا حل، فيما الوقت يمضي ولا يخسر سوى الفلسطينيون ومن ورائهم العرب، فما يحدث حاليا إنما هو محاولة حاسمة للحاق بركب الكسب وتحقيق نصر بلا حرب بدلا من سجل الخسائر التي تشعل قريحة شعراء الغفلة وتجار القضية الذين ينبغي أن يقفوا إلى جنب حتى يتم تحقيق اختراق يوقف استنزاف السلام والأرض وإيقاف تآكلها حتى لا نصل مرحلة لا نجد فيها أرضا نفاوض حولها.