كلمة عن الواقعية و أزمة الهوية الوطنية
1:28:30 PM 2019-05-01 منذ : 2035 يوم
كلمة عن الواقعية و أزمة الهوية الوطنية
سعدت بالتفاعل مع منشوري الأول (كلمة عن إيقاف الحرب وبناء السلام وبناء الدولة). هذا الجزىء مستوحى من آراء المتفاعلين الذين تسألوا عن مدى واقعية الطرح في المنشور السابق ومن قد يكون مناصريه من الاطراف المعنية.
كنت قد وضحت"إنّ الطرح في منشوري السابق يرتكز على فرضية مدرسة السياسة الفكرية الليبرالية أو التعددية.ولكني في هذا المنشور أختبر نظرية مدرسة الواقعية السياسية والتي يعتقد البعض أنها أكثر تماشياً مع المجريات في اليمن.
ترتكز الواقعية السياسية على الاعتراف بطبيعة التنافس بين المجموعات على المصالح التي تحددها في اطار مجموعتها. ولذا فإن الاعتماد على القوة هو عماد هذه النظرية. وهذا ما يبرر تنافس الدول على القوة النووية والعسكرية بالإضافة إلى أهمية إظهار الجدية في استخدامها حالما لزم الأمر. تطورت هذه النظرية على مدى السنين حتى وصلت إلى ما بآت يعرف بالواقعية السياسية الحديثة، التي تعترف أكثر بأهمية نهج الحوار والدبلوماسية ولكنها ماتزال تعتبر نفوذ تلك الجهود مرهونة على القوة العسكرية.
قد يعتقد البعض" إنّه إذا ما راقبنا التطورات في اليمن من خلال عدسة الواقعية السياسية تتضح لنا الرؤية. فالتوجهات والمواقف السياسية تمثل مجموعات لها مصالح محدودة و تسعى جاهدا من خلال استخدام القوة لضمان مصالحها. سواءاً كان هذا على الصعيد الوطني أو الإقليمي. والمجموعات في اليمن خليط بين ما هو قائم على الحزبية وما هو قائم على المناطقية او القبلية او المذهبية او السلالية.
لم يكن هذا مقتصراً على اليمن فحسب، فرأي أيمي تشوى بروفيسور القانون في جامعة ييل الأمريكية والتي لخصت في كتابها (القبائل السياسية – فطرة الجماعة ومصير الأمم),إنّ الديمقراطية في افغانستان والعراق وغيرها قد تكون عملياً اتت لتفند المجموعات بحسب الهويات السياسية ولكنه مايزال تحت كل هوية سياسية ملامح غير سياسية تميز كل مجموعة.
فيمكن القول إنّ تجربة الديمقراطية في اليمن كانت مرحلية قبل اوانها لأننا كيمنيون مانزال عالقون في مصالحنا على مستوى مجموعاتنا المصغرة. والصراع غالباً كان بين مجموعة سيطرة على الحكم بالقوة، ثورة كانت أم انقلاب، واخرى همشت، حتى وان شرعنت بعد ذلك بشكليات من الشراكة والديمقراطية.
ويمكن القول اننا لم نتمكن من تكملة مشروع وطني يجمعنا إلى الآن. فالوحدة سرعان ما تعثرت كمشروع وطني بحرب 1994، و الحوار الوطني الشامل انتهى ايضاً بحرب 2014 بغض النظر عن القصور في بعض جوانبه او مراحله.
عدا ذلك فنحن نعيش الآن موجة عالمية من الشعبوية القومية التي لها آثار سلبية على هذه الانقسامات الداخلية. بحسب ما توصلت اليه دراسة لأحد المؤلفين لدى قسم العلوم السياسية في جامعة بنسيلفينيا الأمريكية، الدكتور جريتشين شروك-جاكوبسون،إنّ القومية تتسبب في خلق دوافع لقمع المعارضة الداخلية بالقوة ناتجة بذلك إلى حروب داخلية.
إضافة إلى ذلك لقد وظف السياسيون هذه الانقسامات الداخلية للتلاعب بالقواعد الشعبية دون الإلتزام بالبرامج السياسية للحزب أو النظام. العديد من القادة والسياسيون نهجوا مؤخراً في خطاباتهم إلى القومية الشعبوية مع القواعد الشعبية حول احتياجاتها من الأمن و العمل، معتمدين بشكل أكبر على محاكاة الشارع مباشرة من خلال قنوات التواصل الاجتماعي.
يمكن التعامل مع تركيبة الجماعات بإيجابية أكثر. هذا يعني اولاً و على سبيل المثال اعتبار من تعامل مع الحزب الاشتراكي اليمني على انه يضم توجه الفكر الإشتراكي الشيوعي لمفكري الاتحاد السيوفيتي فقد أخفق. لأن هناك خصوصيات قبلية وثقافية ودينية للشأن اليمني ميزتهم عن ذلك. وكذلك هو الحال مع حزب الإصلاح وحركة الإخوان المسلمين، وحركة أنصار الله وحزب الله، والحركة السلفية مقارنة بالحركات المتطرفة الإرهابية المدعية للاسلام. إن فهم التركيبة للجماعات تتيح سبل عديدة للتعامل وإيجاد أرضية مشتركة.
بناءاً على هذا وفي النهاية حبيت أن ابين النقاط التالية:
أولاً: يجب علينا إدراك ان الواقعية السياسية تقاس على مستوى المصالح بين الدول حيث لم ولا يوجد التزام جاد بالقانون والأعراف الدولية. أما على الصعيد الوطني فالافتراض إن هناك دستور وقوانين يحتكم بها.
ثانيا: يجب مراعاة ان هناك ضبابية بهذا الخصوص في اليمن بسبب أزمة في الهوية الوطنية وإغفال للدستور والقانون. كان هذا نتيجة سياسات احادية مررها كل من سيطر على الحكم بالقوة دون مراعات عواقب تهميش الاطراف الأخرى. بالتالي تم تفصيل وطنيات لا تلائم إلآ فئة حاكمة واتهام كل من عارضهم على إنهم غير وطنيون. وتم التلاعب بقوانين الديمقراطية حتى أصبحت الأطراف الأخرى لا تؤمن بها. ولم يتبقي في الاخير،إلآ،خيار العنف.
ثالثا: يجب علينا متى ما كان الظرف مناسب، إذا اردنا الخروج من دائرة الصراع المحلي، أن نتوصل الى معادلة ترضي الأغلبية حول:
1. تشارك في السلطة بين الصعيد الوطني والمحلي وأنا أرى شخصيا أن للمحليات شأن كبير.
2. تشارك في الثروة بحيث تكون جميع الوحدات الأدارية، كيف ما تم الاتفاق عليها، قابلة للحياة والنمو.
3. التوافق على قوانين التداول السلمي للسلطة (السجل الانتخابي وقانون الانتخابات الاجراءات الأدارية المتعلقة بإجراء عملية الاستفتاء والانتخابات).
رابعاً: يجب إن لا نستسلم لفكر الواقعية السياسية على الصعيد الوطني لأنه خاطئ، كما إنه سيبقينا في حلقة صراع إلى مالانهاية مستغلين الأحداث المحلية والإقليمية والدولية لتقديم مصالح مجموعة سياسية او دينية أو سلالية أو مناطقية على أخرى، ولو بعد حين.
خامسأ: ينبغي على الأحزاب والحركات السياسية اليمنية إن تركز في تمثيل المصالح الوطنية مع مراعات الخصوصيات الإقليمية. وإن لا تبيين نفسها على إنها امتداد لتوجه قومي سياسي خارجي من خلال أسمها أو مواقفها بعيداً عن الواقع الوطني والاقليمي.