بناء السلام في اليمن
8:09:08 AM 2019-04-26 منذ : 2040 يوم
بناء السلام في اليمن
كلمة عن إيقاف الحرب و بناء السلام و بناء الدولة...
عدا عن ما يبرر الحرب وما يبرر إيقافها حبيت إن أشارككم بعض الأفكار حول المسار السلمي الذي إذا ما تم تحديده والاتفاق عليه أصبح هو صمام الأمان أمام العودة للاقتتال.
كثير مما يتم مناقشته وتحليله حول الأحداث الجارية في اليمن يندرج تحت نظريتين عامتين وهما:
بناء السلام وبناء الدولة.
أغلب الأصوات والضغوطات المعلنة والمطالبة بإيقاف الحرب منقسمة إلى شقين أحدها مرتبط بمبرر ما تسببت به الحرب من دمار، والآخر يربط توقف المعارك بالاعتماد على عملية ومسار سياسي يؤدي إلى سلام واستقرار دائمين.
ولكن معظم الحوارات وحتى بعض الجهود على الأرض لا تراعي أهمية الاختلاف بين نظريتي بناء السلام وبناء الدولة أو التقائهما
وبالتالي هناك تصادم أو تفاوت في تبرير المطالبات و وجهات النظر أو الأنشطة بسبب هذا الاغفال.
قد يكون هذا السبب الرئيس في فقدان الثقة بين عدة أطراف في المشهد اليمني. ومتى تكون مرحلة بناء السلام ومتى تكون مرحلة بناء الدولة وما أهمية ربطهما بجهود إيقاف الحرب.
في البداية أوضح إن هذا المنشور يرتكز على فرضية مدرسة السياسة الفكرية الليبرالية أو التعددية والتي تفترض إن البشر وأطراف الصراع لديها في الأصل نوايا تعايش إيجابية وبالتالي تركيز الجهود يجب إن يكون من خلال ضغوطات سياسية دبلوماسية وإن تهدف إلى إعادة بناء الثقة وإيجاد القاسم المشترك بين الأطراف.
اما بعد، يشير مركز موارد الحوكمة والتنمية الاجتماعية البريطاني (GSDRC) في منشوراته ذات الصلة إلى إن نظرية بناء السلام نشأت في التسعينات (حقبة الصراع بين الدول بعد الحرب الباردة) بينما نظرية بناء الدولة نشأت في بداية الألفية وبالتالي تأثرت ملامحها بعوامل التدخل الأمريكي في العراق، الخ. ويبين إن كلا النظريتان تهدفان إلى ترشيد انتقال البلد أو الظرف المعني من حالة الهشاشة إلى حالة الاستقرار.
ولكن وكما نستوحي من الاسم، تركز منهجية بناء السلام على وضع أطراف الصراع من خلال المحادثات والاتفاقيات والضمانات معتمدة إلى حد كبير على المجتمع المدني بينما تركز منهجية بناء الدولة على قدرة وشفافية وتجاوب الدولة معتمدة إلى حد كبير على اجهزة الدولة.
وفي دراسة أعدها معهد التنمية الألماني (DIE) في 2009 حول العلاقة بين بناء السلام وبناء الدولة، بطلب من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) ، تبين أن العلاقة مترابطة قد تكون تكاملية أو تناقضية.
وتعمقت الدراسة لتبين إن التعامل مع هذه المنهجيات في السابق بشكل انعزالي تسلسلي هو ما اوجد التناقض في غالب الأحيان. وخلصت الدراسة إلى ما هو متعارف عليه الآن في وكالات التنمية الدولية والمختصون في شؤون الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات، أن استمرار عودة حلقات الصراع مرتبط بعوامل التفتت الاجتماعي والاضطراب السياسي وانهيار مؤسسات الدولة.
وبما إن الاستقرار يعتمد على أن تكون الدولة بالمعنى العام ممثلة للمجتمع المحلي ومختلف أطيافه السياسية وإن تكون سلطاتها قادرة على خدمتهم و متجاوبة مع متطلباتهم فإن جهود بناء السلام وبناء الدولة يجب إن تكون محادية ومكملة لبعضها الآخر.
إن تاريخ الصراع في اليمن، لمن يتفق معي، يبين أننا نعيش حلقة تصعيدية من صراع غذته عوامل فشل في بناء السلام وبناء الدولة على حد سواء.
هذا إذا ما اعتبرنا أي عوامل خارجية سلبية على المستوى الإقليمي أو الدولي أيضاً متأثرة بهذا الفشل.
على افتراض أنه عند غياب مشروع وطني شامل و معترف به فإن القوى الخارجية تقتصر في تعاملها مع ماهو اقل ضررا او خطرا على مصالح شعوبها.
بالتالي ينبغي علينا كأفراد ينتمون إلى المجتمع اليمني، أن ندرك أهمية محاداة بناء الدولة ببناء السلام فإنه لا يمكن أن يكون الجيش وطني لطرف على طرف ولا أن تكون مطالبات الانفصال أو إنكارها مؤججة لمزيد من التشتت ولا إن يكون هناك أفضلية أو تهميش مبني على السلالية أو المناطقية أو الطبقية.
كما ينبغي علينا أن نلزم الجهود الدولية ممثلة بالمبعوث الدولي من أن تعي أهمية وضع ومشاركة إطار واضح يساعد على وضع اللبنات الأولى لبناء السلام وبناء الدولة كسبيل يضمن إيقاف الحرب على منهجيات وأسس ثابتة و متماشية مع تجربات و سياسات المراكز والوكالات الدولية.
وفي النهاية ينبغي على الأطياف السياسية تحمل مسؤليتها، بما أنها الجسر بين المجتمع والدولة والمجتمع الدولي، من خلال بذل المزيد من الجهد لايجاد توازن بين بناء الدولة وبناء السلام في خطاباتها و مواقفها.