ظريف وشقيف
6:28:00 AM 2019-04-16 منذ : 2050 يوم
ظريف وشقيف
قصة(د.ميسون حنا (الأردن):يا الله قال ظريف :ما علي إلا ان احاور شقيف لنصل إلى حل لفض نزاعاتنا ، قال شقيف: نجتمع في مسرح الدمى . قال ظريف : الدمى لا تعقل الأمور لتفصل بيننا ، دعنا نجتمع على الملأ . قال شقيف: بل في مسرح الدمى وإلاّ فلا حوار بيننا . قال ظريف: بل لنتحاور وليكن ذلك كما تريد، ولكني أخشى أن تكون قد برمجت الدمى على هواك. قال شقيف: نعم فعلت ، ولكني أتيح لك برمجتها لو شئت . قال: اتفقنا ، ولجا المسرح وعندما أراد ظريف أن يشرح للدمى عن الظلم الذي يقع عليه من شقيف اكتشف أن الدمى تختبيء خلف كلمة سر، حينئذ قال لشقيف: أطلعني على كلمة السر لأفتح مغاليق الدمى على عالمي ، قال شقيف: لن يكون لك هذا ، قال ظريف: إذن أغادر المسرح ، قال شقيف : دخوله أسهل عليك ألف مرة، قال ظريف: وما الصعوبة في الأمر؟ ما علي إلاّ ان أفتح الباب وأخرج، قال شقيف: والجموع التي تنتظر في الخارج لتراك هاربا من مواجهتي . قال ظريف: خدعتني. ضحك شقيف ولم يجب قال ظريف: أريد حلا قال شقيف: أمسك ، وناوله طرف حبل مثبت من الجهة الأخرى ، وجعل الدمى ترقص عليه وتترنم وقال لظريف: لو أفلت الحبل هاجمتك الدمى ولو تمردت خرجت الدمى تهاجم الجموع، فما عليك إلاّ الثبات والصبر، وما دمت ولجت مسرحنا فأنت محسوب علينا ، ولكنك لست منا ، فاحذر أي خطأ تقع فيه ، وأدرك ظريف أن مكيدة حيكت حوله وهو يخشى أن يفلت الحبل تحسبا من سوء العواقب، والدمى ترقص وترقص، وظريف يذوي ويذوي، وشقيف يضحك ويضحك .
*******
صعقت الدمى وقالت لشقيف: تمرد اللعين ، ووضعنا في موقف مهين، وعلينا أن نسد فمه فلا يتشدق بموقف اتخذه ليرفع من شأنه أمام قومه. قال شقيف: النزاع النزاع، واستل خنجره المسموم وهب كالمجنون يبحث عن ظريف الذي كان يجلس وسط أصدقائه تحت شجرة زيتون وهو يشرح لهم عن المكيدة اللئيمة التي أفلت منها بعد عناء ، وفجأة باغتهم شقيف والشرر يتطاير من عينيه ، هب ظريف واقفا وقال: ها انذا ، وحالا تلاحم الظرفاء مشكلين ممرا من الأجساد يصل بين الخصمين .
قال شقيف: أتسخر مني أيها اللعين؟ لماذا تريدني أجتاز الممر إليك؟ قال ظريف: لنتحاور.قال شقيف: لا حوار بيننا بعد أن ضربت بعرض الحائط كل ما أنذرتك به ، وغادرت المسرح مفلتا الحبل ليختل مزاج الدمى ويعميها الغضب. قال ظريف: ولكني فقدت توازني وأنا أشد الحبل وليس من معين. ضحك شقيف وقال: هذه مشكلتك ولا شأن لي إن كنت لا تتقن التلون كالحرباء لتجد لك في كل بقعة من البقاع رصيدا من الحناجر الهاتفة. قال ظريف: أراك تبحث عن مأزق جديد. قال شقيف: حله بيدك. قال ظريف: كيف؟ قال شقيف: تلف الحبل حول عنقك وتلوذ في زاوية المسرح المعتمة وتحافظ على توازن الحبل لتتمكن الدمى من ممارسة رياضتها المحببة، وانذرك أن هذا يحتاج إلى جهد ووقت فلا تتذمر. قال ظريف: ليس من المعقول أن أحتمل كل هذا العناء دون منفعة للظرفاء تقودني لحل يضمن حقوقهم. قال شقيف: لا يعنيني أمر ظرفائك في شيء والمستقبل للشقفاء فقط. قال ظريف: لكن الظرفاء.... قاطعه شقيف وقال: عليك أن تجد حلا للمعضلة التي خلقتها للدمى وقد عرضت عليك الحل وأنت ترفضه. قال ظريف: شروط العودة للمسرح غير منطقية . قال شقيف: ترفض الحلول إذن وصرخ : النفير النفير ونفخ في بوقه فالتم الشقفاء نحوه من كل صوب وتبين أنهم على أهبة الاستعداد قريبون من الموقع ينتظرون وكل يحمل خنجره المسموم واحتدم القتال.
******
نظر ظريف إلى الشهداء، وأبصر الجثث الممزقة والأوصال المبتورة والتراب المخضب بالدماء ، إذ وهب الظرفاء أنفسهم في سخاء لا حدود له، متشبثين في موقفهم وموقعهم. لقد أدركوا من البداية أنهم تناسلوا من رحم هذه الأرض، وهم إليها عائدون إن عاجلا أم آجلا ، فليكن المآل إليها الآن، ما دام الموقف يتطلب التضحية، ماءت قطة في الجوار، التفت ظريف إليها وحدق مندهشا إذ تبين أنها ليست قطة، بل فتاة منبعجة أمعاؤها تنظر في توسل إليه، وتضع يديها على بطنها في محاولة منها لتعيد الأمعاء إلى حجرتها داخل تجويف البطن، صرخ ظريف: مجرمون، أصابه الدوار وأغمض عينيه ليتلمس في قلبه قوته الكامنة ليستحثها على الظهور.
أما شقيف فقد نظر للوحة في انبهار، لقد أعجبته قدرة الشقفاء على البطش والتجني ، ولكنه قطب قليلا لمّا أدرك أنه بالرغم من كل الأفانين التي استخدموها في هجومهم الشرس، إلاّ أن الظرفاء لا زالوا يتنفسون ، قالت الدمى لشقيف : لم يتحقق القصاص بعد. انتفض شقيف من الداخل وأطلق زفيره عاليا لتستجيب الحناجر التي التمت بسرعة مذهلة حوله، تجمعت من كل صوب وكانت على أهبة الاستعداد.
قال شقيف: هزمنا الظرفاء ، وعليهم أن يقروا بذلك على الملأ فنتخذهم لنا عبيدا. زعقت الحناجر: حل منطقي ، ونتيجة حتمية . قالت دمية: كرامة الدمى يا شقيف . قال شقيف: سيزود المسرح بالحبال والعتاد لتمارس الدمى رياضتها بأريحية وعلى الظرفاء أن يهيئوا المسرح . هتفت الحناجر: المستقبل للشقفاء فقط.
*****
قالت كبرى الحناجر لظريف: باسم جميع الحناجر المتوافدة على رقعتكم من كل صوب ، وبعد التداول فيما جرى تبين أنك المسؤول الأول عن سفك الدماء، وعليك تقع التبعية.
قال ظريف: هذا تجديف يرفضه العقل السليم . قالت كبرى الحناجر : حقن الدماء مرهون بصمتك وقبولك شروط الشقفاء . قال ظريف: كيف أصمت وأنا أرى قومي جرحى ومنكوبين . واصلت كبرى الحناجر : إليك الشروط. قاطعها ظريف قائلا: لا اريد أن أسمع المزيد. قهقهت كبرى الحناجر ، وقالت : تواضع يا ظريف، أنت لا تملك جاهزية الشقفاء ، فلا تتشدق بثأر بعيد. قال ظريف: نعم هو بعيد ، ولكني أملك روحا غاضبة، وقلبا مشحونا بالبغضاء، وأراني أستمد وعيا وصلابة من دماء الظرفاء المسفوكة ، ولا أقبل أن أحمل وزر هذا الهجوم الهمجي على شعبي ، اننا نحن الظرفاء نملك صبرا ليس له حدود، ونحمل فوق صدورنا عبئا ثقيلا تنوء بحمله الجبال، ولا تظن هذا يمر دون ردة فعل منا، لا أعرف كيف ومتى تكون؟ ولكننا لن نسكت ولن نستكين. قالت كبرى الحناجر بسخرية:
مازوخي مجنون يطلب المزيد. هتفت بعض الحناجر وكانت قليلة: الحوار يا ظريف... الحوار. قالت كبرى الحناجر: نفذ طلب الحناجر يا ظريف وعد إلى المسرح مصحوبا بوجهاء قومك من الظرفاء لتخدموا الدمى وعليكم أن تقبلوا سيادة الشقفاء عليكم. قال ظريف: الحناجر طرحت حوارا بيننا ونحن لا نرفضه،" ولكننا نطلب أن تكون صيغة الحوار منطقية. قالت كبرى الحناجر: أي حوار وأي منطق؟ لقد لخصت لك نتائج حوار قد يطول ولن تجني من ورائه إلاّ مضيعة للوقت وهدرا للطاقة، وبإمكانك أن تختصره بأن تعلن ولاءك للشقفاء. قال ظريف: هذا تحيز واضح. قالت بعض الحناجر: لنمنحه فرصة يتجدد خلالها عقله، ويندمل جرحه ، فيعود لحوار شقيف ويتصالحان. هتفت الحناجر الأخرى وهي الأغلبية: هذه مضيعة للوقت، وقد حسمت كبرانا الموقف، وعلى ظريف أن يقبل شروط الشقفاء ليعيش في سلام. هتف الظرفاء: هذا ظلم لا نقبله. قال ظريف: نطق شعبي بالحكم.
قالت كبرى الحناجر: لقد أعذر من أنذر وخرجت وتبعتها بقية الحناجر في الحال .
*******
رصدت بعض العيون في الجوار وفي البقاع المترامية خلف البحار لقطات من أسمال ممزقة، علقت عليها أنسجة لحمية متهتكة، وهياكل عظم محترقة ، وأفئدة مكلومة ، وسيول دماء تسبح فيها جماجم متكسرة وأشياء أخر.
قالت العيون للحناجر: نكل شقيف بالظرفاء.هتفت الدمى: المستقبل للشقفاء فقط والغلبة للأقوى. أشارت العيون لشقيف بأصابع الاتهام صرخ شقيف: الظرفاء يزوٍّرون الحقائق ويشوهون التاريخ. قالت العيون: هذه اللقطات يا شقيف تشهد على الحقائق.
قال شقيف بعنجهية: ابتدعها فنانوهم ، ودبلجوها لتوافق اتهاماتهم لنا، افيقوا من ذهولكم فلا تغرنكم هذه السحن الحزينة، هي بعض من تمثيل أتقنوه عبر التاريخ ليستعطفوكم فتنقلبون علينا . قال ظريف : أسمعوا أيها الظرفاء: بعد أن استنفدت جميع وسائلي للدفاع عنكم أراني عاجزا ضعيفا، لذا سوف أنسحب مفسحا المجال لمن يرى في نفسه الكفاءة والبأس ليحل محلي، قال هذا ونهض من مكانه إلاّ أن الظرفاء هتفوا باسمه قائلين: عد مكانك يا ظريف واعلم أنك لست ضعيفا لكن العدل الأرضي أضعفك، ووضعك في حيز ضيق يصعب النفاذ منه إلى الخارج، تمسك بموقفك ، وواصل دفاعك عنا بما أوتيت من حكمة ورجاحة عقل وصبر على المحن ، سر يا ظريف ونحن خلفك سائرون . قال ظريف: ولكني أشعر بجراحاتكم العميقة ولست أملك لكم ضمادا. قالوا : أنت جريح مثلنا يا ظريف ، تنفس، خذ نفسا عميقا لتستمد الطاقة من أرواح شهدائنا ، وسنفعل مثلك . هذا هو الضماد الذي نحن بحاجته الآن .
قال أحد الظرفاء: نحن نتجدد من جراحاتنا يا ظريف . قال ظريف: الشقفاء يعدون العدة لحربنا من جديد. قالوا: لن نستسلم يا ظريف سنموت موتا كريما ، ومن سيبقى على قيد الحياة منا سنمده بالطاقة ليواصل الدرب بعدنا ، وسيتجدد من خلالنا ليمنح الطاقة لمن يخلفه ، تهيأ يا ظريف وكن على أهبة الاستعداد، فسيكون لنا مع الشقفاء لقاءات أخر .