سفير خادم الحرمين الشريفيين لدى الاردن والكاتب نايف بن بندر السديري
عرب برس للأخبار | نايف بن بندر السديري ذبول أوراق شجرة القيقب
منذ فوز الحزب الليبرالي، بقيادة جاستن ترودو، بالانتخابات الفيدرالية الكندية أول مرة في أكتوبر (تشرين الأول) 2015، بأغلبية مقاعد البرلمان، ونحن نلحظ تراجع الدور الكندي على المسرح الدولي. كانت السياسات العدائية المتغطرسة من سمات العهد الليبرالي المرتبك؛ حاول وزير الخارجية السيد ستيفان ديون (زعيم سابق للحزب الليبرالي) أن يصنع شيئاً لتعديل المسار، وإعادة الحياة لشجرة القيقب الكندية حتى لا تذبل أوراقها! جهوده أجهضت، وطُرد من المطبخ السياسي في أوتاوا، بتعيينه سفيراً لبلاده في برلين. خلفته في المنصب السيدة كريستينا فريلاند ذات الطباع الحادة؛ جرت بلادها إلى مواجهات مع حلفاء تقليدين، مثل الولايات المتحدة في قضية تجديد اتفاقية «نافتا»، ضاربة عرض الحائط بمصالح قطاع الأعمال الكندي الذي يعتمد على تجارته مع الولايات المتحدة بما نسبته 80 في المائة! وحليف تقليدي آخر، هو الهند، من خلال التدخل في شؤونه الداخلية، ثم الصين والفلبين.
المملكة العربية السعودية الشريك الأول لكندا في الشرق الأوسط، المزدهر المستقر في محيط مضطرب، افتعلت معه أزمة غير مبررة وغير مقبولة وفق المواثيق والأعراف الدولية، وفي مقدمتها اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية 1961م، والإعلان الخاص بعدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحماية استقلالها وسيادتها، الصادر عن الجمعية العامة برقم 2131 سنة 1965م، مبررة ذلك بالدفاع عن حقوق الإنسان، غافلة عن الانتهاكات الجسيمة (وفق تقرير الأمم المتحدة «لجنة القضاء على التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة») التي تقوم بها حكومتها ضد السكان الأصليين في ثلاث مقاطعات: ننفت، ويوكون، ونورث وست ترتوري؛ جميعها تقع بمحاذاة القطب الشمالي، وتجاورها الدنمارك من الشرق، وروسيا من الشمال، وأميركا (ولاية ألاسكا) من الغرب. معظم السكان الأصليين (الإنويت) يقيمون في هذه الأقاليم المهملة حتى من المياه الصالحة للشرب، كما أن الرعاية الصحية وخدمات التعليم في حدها الأدنى، وانتشار الأوبئة وتعاطي المخدرات من سماتها البارزة.
في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تم التجديد للحزب الليبرالي، بقيادة ترودو، بعد فوزه للمرة الثانية على التوالي بتشكيل الحكومة؛ الفوز كان أقل من السابق بالنسبة لعدد المقاعد، وأقل بريقاً بالنسبة لجمهور الناخبين. كما أن المنافس الشرس (الحزب المحافظ) أظهر تقدماً ملحوظاً زاد من نفوذه وتأثيره في السياسة الداخلية والخارجية على حد سواء. السيد أندرو شير (رئيس الحزب) لو تمكن من حل خلافاته داخل حزب المحافظين، بدعم من الزعامات التاريخية، وفي مقدمتها مؤسس الحزب رئيس الوزراء السابق السيد ستيفن هاربر، سيكون له فرص كبيرة في الفوز بمنصب رئاسة الوزراء في الانتخابات الفيدرالية المقبلة.
اختيار السيد ترودو السيدَ فرنسوا شامبان لتولي حقيبة الخارجية مؤخراً، خلفاً للسيدة فريلاند، رسالة للخارج والداخل على حد سواء، مؤداها أن النظام أصبح أكثر نضجاً وعقلانية، وأنه على استعداد للانخراط مع الحلفاء في حوار يمهد لصفقات مرضية تعيد كندا لموقعها المرموق في الساحة الدولية، لا سيما أنها تنشد الحصول على العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن، بعد أن خسرتها في آخر ترشيح سعت له؛ ودخول مجلس الأمن أولوية للدبلوماسية الكندية لتستعيد دورها المغيب. وقد أعلن عن ذلك ترودو شخصياً، حين قال في نيويورك: «كندا ستعمل بجد للحصول على مقعد في مجلس الأمن للسنتين 2021-2022».
ولتحقيق ذلك، يجب كسب أصوات دول كثير منها يعترض على نهج الدبلوماسية الكندية الحالي. وعلى السيد ترودو استحضار سياسة والده الراحل بيير ترودو الذي ارتدى الزي السعودي عند نزوله من الطائرة في مطار الرياض، باعثاً رسالة رمزية لمضيفيه باحترامه للدين الإسلامي الحنيف، وتقديره للتقاليد السعودية العريقة. أضف إلى ذلك أنه هو من أمر سلطات الهجرة الكندية بالسماح لحاملي جواز السفر السعودي بالدخول إلى كندا من دون تأشيرة.
كثير من العقلاء في أوتاوا يدركون الضرر الجسيم الذي لحق بكندا جراء الفهم الخاطئ لدور المملكة ومكانتها في العالم، وما زالوا يطالبون حكومتهم بإصلاح هذا الضرر بأي صيغة ترضي الرياض. وإذا كان من شيم الرياض التسامح والتغاضي عن زلات الأصدقاء، فإنها في الآن ذاته لا تقبل المساس بقيمها العليا.