(ا ف ب):- دعا الزعيم الشيعي مقتدى الصدر مساء الجمعة إلى استقالة الحكومة العراقيّة برئاسة عادل عبد المهدي وإجراء انتخابات مبكرة بإشراف الأمم المتّحدة، وسط تصاعد وتيرة التظاهرات المطلبيّة وسقوط 60 قتيلاً على الأقلّ منذ الثلاثاء.
وقال الصدر في بيان "احقنوا الدم العراقي الشريف باستقالة الحكومة" وعبرَ إجراء "انتخاباتٍ مبكرة بإشراف أممي، فما يحدث (...) لا يُمكن السّكوت عليه".
ويدعم رجل الدين كتلة "سائرون" التي تصدّرت الانتخابات البرلمانيّة التي جرت عام 2018 بحصولها على 54 مقعداً من أصل 329.
وفي وقت لاحق الجمعة، أمرَ رئيس الوزراء العراقي برفع حظر التجوّل في بغداد بدءا من الساعة الخامسة فجر السبت (02,00 ت غ).
وجاء في بيان لخليّة الإعلام الأمني "وجّه رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوّات المسلّحة عادل عبد المهدي برفع حظر التجوّل في بغداد، من الساعة الخامسة صباح غد السبت، وذلك لضرورات ومتطلّبات المواطنين في حياتهم اليوميّة".
ومع ذلك، لا يزال حظر التجول ساري المفعول في مناطق أخرى تشهد تظاهرات بجنوب البلاد.
وأعلنت مفوّضية حقوق الإنسان العراقيّة منتصف ليل الجمعة السبت مقتل 60 شخصاً خلال أربعة أيّام من الاحتجاجات الدامية في العراق، مشيرةً إلى وجود 18 جثّة على الأقلّ في مستشفى واحد في بغداد.
ويبدو أنّ هذه الحصيلة مرشّحة للارتفاع، مع وجود أكثر من 1600 جريح بحسب المفوضية.
ودارت مواجهات عنيفة الجمعة بين متظاهرين وشرطة مكافحة الشغب في بغداد.
وللمرّة الأولى، اتّهمت قوّات الأمن "قنّاصة مجهولين" بإطلاق النار على المتظاهرين وعناصر الأمن في بغداد، ورفضت اتّهامات باستخدام القوّة المفرطة وجّهتها منظّمات حقوقيّة.
وأفادت خليّة الإعلام الأمني عن "استشهاد اثنين من عناصر القوات الامنية ومواطنين اثنين" في وسط بغداد "بنيران قناصين مجهولين".
وتتّهم السُلطات منذ الثلاثاء "مندسّين" بالتسلّل إلى التظاهرات والتسبّب في وقوع قتلى. وتقول مصادر طبّية إنّ غالبيّة القتلى هم من المتظاهرين الذين أصيبوا بالرصاص الحيّ، لكنّها لم تحدّد مصدر الطلقات.
بدأت حركة الاحتجاج عبر دعوات على شبكات التواصل الاجتماعي للتظاهر ضد الفساد والبطالة وانهيار الخدمات العامة والنقص المزمن في التيار الكهربائي ومياه الشرب.
وفي وقت متأخر مساء الجمعة، كانت المواجهات مستمرّة في بغداد حيث إطلاق النار مستمرّ بشكل متقطّع، حسبما أفاد صحافيّو وكالة فرانس برس.وأصيب أشخاص عدّة بالرصاص، خصوصاً في المعدة والرأس.
في غضون ذلك، أيد رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي المتظاهرين، في تصريح داعم لهؤلاء قائلا "صوتكم وصل، رسالتكم وصلت".
وأضاف "إذا لم أرَ الدولة متّجهة نحو تلبية طموح الشعب وبعث الأمل في نفوسهم، سأنزع سترتي وتجدوني أوّل شخص بين المتظاهرين". ودعا المحتجّين الى المجيء لمجلس النوّاب.
-السيستاني يدعم المتظاهرين-
في منطقة سكنيّة في بغداد، ظلّ معظم المتاجر ومحطات الوقود مغلقًا. أمّا التي فتحت أبوابها، فقصَدَها من يرغب في شراء الخضار التي تضاعف سعرها ثلاث مرات بسبب إغلاق الطرق المؤدية إلى بغداد.
وقالت مصادر طبّية وفي الشّرطة إنّ 11 شخصاً على الأقلّ، هم 9 متظاهرين وشرطيّان، قُتلوا الجمعة في بغداد والديوانية والناصرية (جنوب).
ودعت المرجعيّة الدينيّة الشيعيّة العليا في الحكومة والبرلمان إلى تحمّل المسؤوليات والاستجابة لمطالب المتظاهرين.
وتمثّل هذه الاحتجاجات غير المسبوقة بسبب طابعها العفوي في بلد اعتاد على التحركات الحزبية والعشائرية والطائفية، الامتحان الأول لحكومة عبد المهدي الذي تسلم السلطة قبل نحو عام وطالب مساء الأربعاء بمزيد من الوقت.
وقال أحمد الصافي في خطبة الجمعة في كربلاء، وهو ممثل المرجع الابرز اية الله علي السيستاني، "على الحكومة أن تغير نهجها في التعامل مع مشاكل البلد" وعليها "تدارك الأمور قبل فوات الأوان".
-"اعتداءات مرفوضة"-
وندد الصافي بـ"اعتداءات مرفوضة ومدانة على المتظاهرين السلميين وعلى القوات الأمنية".
من جانبها، قالت المرجعية العليا إنّ الإصلاح "ضروري" منتقدة رئيس الوزراء، وألقت "المسؤولية الأكبر" على البرلمان.
وحذّرت المرجعية من أنّه "إذا خفّت (الاحتجاجات) لمدة، فإنّها ستعود في وقت آخر أقوى وأوسع".
يواجه المحتجون الذين انقطعت عنهم شبكة الانترنت منذ مساء الأربعاء، طوقاً واسعاً من الشرطة والعسكريين المنتشرين في مسافة تتراوح بين كيلومترين أو ثلاثة حول ساحة التحرير.
وقال سيّد (32 عاماً) في بغداد لفرانس برس "سنستمر، إما أن نموت أو نغيّر النظام".
وعشية ذلك، طلب رئيس الوزراء مزيدا من الوقت لتحسين ظروف المعيشة في بلد لا يزال يعاني على صعيد الخدمات، خصوصا من انقطاعات في الكهرباء ومياه الشرب.
ولكن بدا أنّ الوعود لم تلق صدى بين المحتجين الغاضبين في ظل وضع الخدمات العامة وارتفاع نسب البطالة لتشمل واحداً من أربعة في ظل الفساد المستشري.
وقال سيّد "سمعت خطاب عبد المهدي، هي الوعود نفسها التي نسمعها منذ اكثر من 15 عاما، وعوده لن تغير شيئا، ولن ننسحب من الطرقات".
- "مندسون"-
في حين تتحدث الحكومة عن وجود "معتدين" و"مندسّين" بين المتظاهرين، دعت منظمة العفو الدولية الحكومة الجمعة إلى أن "تأمر قوات الأمن على الفور بوقف استخدام القوة المفرطة، بما في ذلك القوة المميتة، ضد المحتجين".
من جهتها، حضت المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان الحكومة على إجراء تحقيق "عاجل" و"شفاف" بشأن القتلى الذين سقطوا في التظاهرات.
وتتابع الدول المجاورة للعراق الاوضاع من كثب، خصوصا لناحية إمكانية تأثير الأحداث على رعاياها الموجودين هناك.
في السياق، دعت إيران الجمعة مواطنيها العازمين على زيارة العراق لمناسبة "أربعينية الإمام الحسين"، إلى تأجيل سفرهم.
وسارت تظاهرات في محافظات النجف وميسان وذي قار وواسط والديوانية وبابل والبصرة، لكنّ الهدوء يطغى في شمال بغداد وغربها، وهي مناطق تسكنها غالبية من العراقيين السنة، وكذلك في إقليم كردستان.