في مؤشرات إضافية على تنكر الولايات المتحدة الامريكية لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وفي بناء دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة تكون القدس الشرقية في مركزها عاصمة ابدية لدولة وشعب فلسطين ، أغلقت الخارجية الأميركية تحت ضغط الثلاثي المكلف بملف صفقة القرن وملف التسوية السياسية وتصفية القضية الفلسطينية مقر قنصليتها في مدينة القدس ودمجتها بسفارتها بعد نقلها من تل أبيب الى القدس المحتلة . وجاء إغلاق المقر بعد 175 عاما من تقديم القنصلية خدماتها للفلسطينيين بشكل خاص ، وضمها للسفارة التي افتتحتها الإدارة الأميركية في شهر أيار/مايو الماضي .
وأعلنت الخارجية الأميركية عن فتح وحدة خاصة في مقر السفارة لتقديم خدماتها للفلسطينيين وسيتم تحويل مبنى القنصلية إلى منزل مؤقت للسفير دافيد فريدمان . ويعني القرار الجديد أن على الفلسطينيين التعامل مع هيئة تعمل تحت سلطة السفارة الأميركية في إسرائيل وهي مهمة ستخضع الآن للسفير فريدمان ، الذي يعتبر من عناصر الترويكا الاميركية المكلفة بملف الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي ويعد الى جانب جاريد كوشنير وجيسون غرينبلات من المؤيدين لمشروع الاستيطان منذ فترة طويلة .
إلى جانب ذلك أكد جيسون غرينبلات المبعوث الأميركي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط أن الولايات المتحدة سوف تؤكد دعمها للقانون الإسرائيلي الذي أقر مؤخرًا ودخل حيّز التنفيذ ، حول خصم نحو نصف مليار شيقل من عوائد الضرائب الفلسطينية بحجة أنها تدفع لمنفذي العمليات وعائلاتهم في جلسة لمجلس الأمن طلبت دولة الكويت عقدها لبحث الوضع الاقتصادي للسلطة الفلسطينية وكذلك للفلسطينيين بشكل عام في الضفة الغربية وقطاع غزة ، بعد القرار الإسرائيلي بقرصنة أموال المقاصة من الجانب الاسرائيلي .
وتعيد هذه وغيرها الكثير من المواقف التي تصدر عن الادارة الاميركية والترويكا المكلفة ملف التسوية السياسية ، وفق المقاييس المتفق عليها بين الجانبين الاميركي والاسرائيلي ، الى الذاكرة مواقف أطراف هذه الترويكا من حقوق الفلسطينيين ومن الاستيطان الاستعماري اليهودي في الضفة الغربية بما فيها القدس ، خاصة في ظل تسرب معلومات جديدة يتم التكتم حولها عن دعم صندوق العائلة ( كوشنير ) لنشاط عدد من المؤسسات اليهودية المتطرفة العاملة في المستوطنات ، إذ تفيد تلك المعلومات أن دعم ترويكا الادارة الاميركية للاستيطان لا يقتصر على السفير فريدمان ، الذي ينظر الى الاستيطان في الضفة الغربية من زاوية توراتية تلمودية دينية قائمة على الاساطير ، بل هي تشمل كذلك كبير مستشاري البيت الآبيض نفسه . فمن المعروف جيدا أن جارد كوشنير ، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمكلف بملف الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي كان قد تبرع لمدرسة دينية يهودية أفتى مديرها بجواز ذبح أطفال العرب الرضع . ويبدو واضحا من معلومات تلك المصادر ، التي تحدثت عنها صحيفة ( هآرتس ) الاسرائيلية قبل فترة أن جاريد كوشنير العضو في إدارة صندوق دشنته عائلته يقدم مساعدات مالية لمؤسسات ومنظمات يهودية دينية في المستوطنات اليهودية، والتي من ضمنها مدرسة “عود يوسيف حاي” المقامة في مستوطنة “يتسهار”، المتاخمة لنابلس والتي أفتى مديرها الحاخام إسحاق شابيرا بجواز أن يقتل اليهود الرضع من العرب. وكان شابيرا قد ضمن مصنفه الفقهي “شريعة الملك” الذي صدر عام 2009 أدلة “ فقهية ” تجيز لليهود قتل الأطفال الرضع في حال كان وجودهم يعيق تقدم الجنود اليهود . وتبين حسب ( هآرتس ) عند عرض عائلة كوشنير كشفًا حول وضعها المالي للسلطات الأمريكية في الفترة الفاصلة بين العامين 2010 و2014 أنها تبرعت في السنوات الماضية بملايين الدولارات لمؤسسات داخل إسرائيل وعشرات الآلاف من الدولارات للمؤسسات الدينية والتعليمية في المستوطنات اليهودية المقامة في الضفة الغربية، وضمنها مدرسة حاخام شابيرا.
ويضم صندوق العائلة كوشنير الذي تأسس عام 1997، كلا من جاريد كوشنير وثلاثة من أشقائه وكان قد تبرع صندوق كوشنير للمدرسة الدينية في مستوطنة “بيت إيل”، التي تقع شمال مدينة رام الله وتعد أيضًا من أكثر المدارس الدينية تطرفًا. كما قدم مساعدات مالية لمؤسسات دينية وتعليمية في التجمع الاستيطاني “غوش عتصيون”، الذي يحيط بمدينة بيت لحم خلال عامي 2012 و2013 . كما تبرعت عائلة كوشنير بـ18 مليون دولار لمستشفى “شعاري تسيدك” في القدس المحتلة، وقدم تبرعات سخية مساعدة للجيش الإسرائيلي عبر جمعية “أصدقاء الجيش الإسرائيلي في الولايات المتحدة” التي يرأس مجلس إدارتها الملياردير اليهودي حاييم سابان.
من جهة أخرى ونزولاً عند الضغوط التي تمارسها كل من الإدارة الأميركية وإسرائيل على مجلس حقوق الإنسان، واستجابة للموقف الإسرائيلي قالت المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ، ميشيل باشيليت ، إن مكتبها لن ينشر خلال شهر آذار/مارس الجاري، على النحو المتوقع تقريرا حول أسماء الشركات الإسرائيلية الداعمة للمشروع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذكرت باشيليت في خطاب تم نشره، إن مكتبها يحتاج إلى مزيد من الوقت للقيام بمهمة معقدة وغير مسبوقة، ذات آثار سياسية عميقة. وقد اثارت هذه الخطوة غضب الفلسطينيين الذين اعتبروا تاجيل نشر القائمة هدية للاحتلال وتشجيعا له على مواصلة مشروعه الاستيطاني على الارض الفلسطينية وتنكرا لكافة القرارات الدولية التي تجرم الاستيطان ، فيما لقي هذا الموقف ترحيبا اسرائيليا ودعا إلى عدم نشر القائمة، ودفن هذه المبادرة تماماً وفي أقرب فرصة .
في الوقت نفسه تتواصل عمليات التطهير العرقي واستباحة المقدسات، حيث رفضت لجنة التخطيط والبناء في بلدية الاحتلال بالقدس، مؤخرًا، المصادقة على 20 طلب بناء للمقدسيين، بحجّة أن الإجراءات التي كانت متّبعة حتى اليوم لم تعد مقبولة . ويعني قرار بلدية الاحتلال منعًا شبه تامّ لبناء المقدسيين في المدينة، التي يعانون فيها من تضييقات كبيرة ورفض للاعتراف بملكيّتهم على الأرض والبيوت من قبل الاحتلال . وصوّت ضد المصادقة على الطلبات مندوبو “البيت اليهودي” والليكود وقائمة “مئوحديم” العلمانيّة، بينما صوّتت الأحزاب الحريديّة لصالح المصادقة عليها. ويعاني المقدسيّون البالغ عددهم 330 ألفًا من أزمة خانقة في قضيّة .
____
إعداد: مديحه الأعرج/المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان.