عرب برس(خاص):يجمع كل المراقيين للشأن اليمني على إن سلطة الحكم الانقلابية في صنعاء تجاوزت موضوعياً عمرها الافتراضي . وأنها بحكم منطقها الداخلي وأداءها العام تبدو مرشحة على الدوام للانهيار الذاتي حتى من قبل إن تسقط خارجياً، نظرا لفسادها و طائفيتها وإرهابها الممارس ضد المجتمعات التي تتسلط وتسيطر عليها بالحديد والنار.
ومع ذلك نجحت ميليشيات الحوثي في الصمود سياسياً وعسكرياً طيلة خمسة اعوام رغم حصارها وعزلتها، و رغم اختلال موازين القوى العسكرية في مصلحة التحالف العربي والشرعية . بل ونجحت في أخر عاميين بتجاوز محنها الداخلية بأمان من انتفاضة صنعاء التي قتل فيها الرئيس السابق علي صالح مرورا بمواجهات عمران واخيرا بانتفاظة حجور.
إن مشهداً ملتبساً كهذا يستدعي إعادة تحليل الصراع اليمني ، وصياغة الاسئلة المناسبة للوصول الى الإجابات الصحيحة .. لقد انشغلنا جميعا بالبحث في الاتجاه الخاطئ عندما وضعنا السؤال بصيغته المضللة : لماذا صمد الحوثيون أمام الهزيمة الوشيكة ؟
و الأدق إن تكون صيغته على النحو التالي : لماذا فشلت الشرعية في تحرير بقية المناطق اليمنية ؟؟ بل ولماذا فقدت الشرعية حضورها السياسي ومقبوليتها الشعبية داخل المناطق المحررة ؟
وعوضا عن الإنشغال في الإجابة على هذه الأسئلة التي تمثل جوهر المعضلة السياسية في اليمن ، وتفسر أسباب ما حدث سابقاً في صنعاء وما حدث لاحقا في الحديدة، ثم ما يحدث حاليا في عدن والجنوب ... تذهب النخبة الحاكمة والمحتكرة للشرعبة إلى صناعة أعداء جدد: تارة الانتقالي وتارة أخرى الإمارات ، وتحاول استدعاء الدولة القائدة في التحالف العربي كي تنجز لها معاركها الجانبية دون ام تكلف نفسها حتى عناء مناقشة اخطاءها او الدفاع عن وجودها!!
إن اسهل طريقة لمقاربة "التمرد الجنوبي" بحسب وصف الشرعية، يكون بتبني روايتها المختلة عن وجود مؤامرة خليجية لتقسيم اليمن ، وهكذا تتجاوز الشرعية ثلاث حقائق اساسية سرعت من انهيارها الذاتي الذي توقعه الكثيرون لخصومها .
أول هذه الحقائق عجزها العسكري عن تحقيق أي انتصار حقيقي على الحوثي منذ تحرير الجنوب ومأرب ، بل و تفريطها سياسياً بالانتصار العسكري الوشيك في الحديدة وفشلها أخيراً في إدارة اتفاق استوكهولم الذي جيره الحوثيون لمصلحتهم.
ثانيا، الإخلال بقواعد الشراكة السياسية سواءاً مع الأحزاب التقليدية أو مع القوى الجديدة التي أفرزتها الحرب مثل المقاومة الجنوبية ، وفتح معارك جانبية مع شركاء التحالف العربي قبل الانتهاء من العدو المشترك.
وأخيراً، فشلها الذريع في بناء اي نموذج ايجابي خدماتي داخل المناطق المحررة، بل دأب محتكري الشرعية على تقاسم موارد الدولة ومؤسساتها ووظاىفها العامة كاستحقاق شخصي و اسري لم تعرفه حتى حقبة حكم صالح ، ما كان يعني بالضرورة إسقاط ما تبقى من مؤسسات للدولة.
لقد تحول فساد السلطة المحتشم أيام صالح وبداية حكم هادي، إلى سلطة فساد سافرة لم تعد تبالي بمصالح الناس البسطاء او استحقاقات الشركاء ، وهكذا افرزت الاحداث بدائل جديدة كان منها المجلس الانتقالي الذي لم يقم بشيئ سوى تقديم نفسه كبديل ناجع عن السلطة الشرعية.
وبينما علقت وزارة الداخلية أعمالها في عدن لتتركها فريسة للفوضى، نظمت قوات الانتقالي مجهودها الامني للحفاظ على سكينة العاصمة المؤقتة ،. وعندما قررت الحكومة معاقبة الناس في عدن من خلال منع المشتقات النفطية عن محطات توليد الكهرباء ، قام الانتقالي بتوفير شحة محروقات على حسابه تكفي لتوليد الطاقة الكهرباىية لمدة شهر.
وحينما ذهبت سلطة الشرعية نحو تجميد جبهاتها مع الحوثي، وفتح جبهة اخرى اوسع مع الامارات . اكدت قيادة الانتقالي تايدها لجهود الوساطة السعودية وتمسكها الاستراتيجي بقتال الحوثي.
هكذا يتضح لنا الفرق بين معارضة مسؤولة تبحث عن مكاسب سياسية و تكتسب نفوذها من خلال ملى فراغ السلطة، وبين فساد الشرعية الذي يبحث عن الاخرين كي يخوضوا عنه معاركه بل و يظهر فجوره السياسي مع الحلفاء قبل الخصوم في حال رأى اي تهديد لمصالحه الخاصة وليس مصالح الناس العامة.
و من هنا يجد الحوثي قوته ويستمد عناصر بقاءه.. ومن هنا يبدأ اي مجهود حقيقي لانهاء الانقلاب و تقويض النفوذ الايراني في المنطقة ، إذ أن الطريق إلى تحرير اليمن يبدأ بإصلاح الشرعية و تمكين الشركاء في الجنوب..