بكين(شينخوا):ترتكز علاقات التجارة الدولية الحديثة على المصداقية وروح التعاقد. بيد أنه خلال المفاوضات التجارية بين الصين والولايات المتحدة التي استمرت لمدة عام، نكثت واشنطن عهودها مرارا ولعبت خدع "تغيير الوجه"، تاركة ندبات صارخة على جبين مصداقيتها.
اتفقت بكين وواشنطن خلال الزيارة التي قام بها نائب رئيس مجلس الدولة الصيني ليو خه إلى واشنطن في مايو الماضي، على عدم الدخول في حرب تجارية. وبعد أيام قليلة، قالت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنها سوف تفرض رسوما جمركية بنسبة 25 بالمائة على واردات صينية بقيمة 50 مليار دولار أمريكي، بما في ذلك تكنولوجيا مهمة للصناعة.
وبعد الانتكاسات الأخيرة التي شهدتها المشاورات التجارية الصينية - الأمريكية، بدأت إدارة ترامب - بذريعة "الأمن القومي"- تنفيذ تدابير تستهدف شركات تكنولوجية صينية. وسوف يقضي الأمر التنفيذي الذي أصدره البيت الأبيض على العديد من عقود التجارة بين شركات صينية وأمريكية.
من المحتمل أن تكون الولايات المتحدة نرجسية في "فن التعامل"، ولكن سجلاتها القذرة فيما يتعلق بالفشل في الوفاء بوعودها نبهت العالم.
في الحقيقة لم تكن الصين أول ضحية لأفعال الولايات المتحدة من الخداع والتنمر التجاري.
خلال أكثر من عام، استخدمت الولايات المتحدة "عصا غليظة" من الحمائية، وأكرهت العديد من شركائها في التجارة، من بينهم كوريا الجنوبية وكندا والمكسيك، على إعادة التفاوض بشأن اتفاقيات التجارة القائمة منذ وقت طويل بينهم.
تبعث سلوكيات التنمر هذه إشارة واضحة مفادها أن بإمكان المرء العبث بشكل تعسفي بعقود أصلية بغض النظر عن مصالح وشواغل شركاء التعاون، طالما أن لديه القدرة على فعل هذا. هذا هو "منطق العصابات" و"شريعة الغاب". أسلوب التنمر هذا أثار معارضة عالمية، ومن بين المعارضين حلفاء واشنطن في أوروبا.
عندما قررت واشنطن فرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألمنيوم من الاتحاد الأوروبي العام الماضي، نددت المفوضية الأوروبية بالخطوة في تغريدة قائلة إن "الاتحاد الأوروبي يعتقد أن الرسوم الجمركية الأمريكية أحادية الجانب هذه غير مبررة وتتناقض مع لوائح منظمة التجارة العالمية. هذه حمائية، بشكل بحت وبسيط".
ومنذ وصول إدارة ترامب إلى السلطة، انسحبت واشنطن من سلسلة من الاتفاقيات الدولية الكبرى وكذا كيانات متعددة الأطراف، بما في ذلك اتفاق باريس للمناخ، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة واتحاد البريد العالمي.
وهذه الخطوات الأنانية لطخت مصداقية واشنطن كدولة كبرى مسؤولة، كما قوضت على نحو خطير أساس التعاون الدولي.
في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ساعدت الولايات المتحدة في إقامة النظام المالي والتجاري العالمي القائم. ونتيجة لهذا، استفادت واشنطن على نحو هائل من هذا النظام الذي يقوم على سيادة الدولار الأمريكي. غير أنه لا مبرر بأي حال الأحوال لأن تسيء واشنطن استغلال وضعها كقوة عظمى.
عوضا عن هذا، تحتاج واشنطن إلى الوفاء بالتزاماتها كعضو متكافئ في المجتمع الدولي. وتجدر الإشارة إلى أن النظام العالمي الذي تقوده واشنطن قد ينهار بمجرد أن تعلن مصداقية واشنطن إفلاسها. وهذا أفق خطير ولا يصب في مصلحة أحد.