(د.باسم عثمان):ليس صحيحاً أن التأجيل في إعلان «صفقة القرن الأمريكية» سببه عدم إكتمال الصفقة بقدر أن الهدف التمهيد وتهيئة البيئة السياسية المحفزة والدافعة لإنجاحها.
الصفقة «الترامبية» بدأت ملامحها بالتعامل والتطبيق العملي على الأرض مع: مكونات القضية الفلسطينية ومستوياتها القضية و جوهرها.
بداية: تفريغ القضية الفلسطينية من جوهرها: طي ملف القدس انسجاما مع الإعلان الامريكي بفرض السيادة الاسرائيلية عليها واعلانها عاصمة «لإسرائيل»، والخطوة الثانية تفريغ قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة من هويته القانونية والأممية والوطنية وفى النهاية إلغاء مبرر وجود وكالة الغوث، ويمكن تحولها لمجرد مؤسسة أو جمعية خيرية تقدم مساعدات إنسانيه.
والعمل بحيثية متواصلة على تفكيك القضية الفلسطينية «فلسطينيا»: من خلال تعميق و تأجيج حالة الإنقسام الفلسطيني في النظام الرسمي الفلسطيني وتحوله إلى انفصال سياسي وجغرافي وإداري بين غزة والضفة، وإن تتحول غزة إرضاءاً لسياسة حركة حماس لبنية جيو-سياسية تسيطر عليها حماس سياسياً واقتصادياً وجغرافيا وأمنياً، وتوفير كل مقومات الإستمرارية لها، تمهيدا لمرحلة الإستقلال السياسي.
أما بالنسبة للضفة الغربية"إن أمريكا تعلم أن مستقبلها بات مرتبط بالعمل على تحولها لكينونة سياسية بدرجة أعلى من حكم ذاتي وإرتباطها إقليمياً بالأردن، وفق المخطط الامريكي، واستحالة قيام دولة فلسطينية فيها.
هذه الحالة الإنقسامية المدمرة لوحدة القضية الفلسطينية والتي يتحمل مسؤوليتها مباشرة فتح و حماس هي التي توفر فرص نجاح جهود السياسة الأمريكية والاسرائيلية للصفقة المشبوهة.
والحل يكمن في الخروج عن برنامج أوسلو وسياسة الأمر الواقع الحمساوية والعودة إلى برنامج الاجماع الوطني وتنفيذ قرارات المجلس الوطني الفلسطيني على الأرض والابتعاد عن سياسة المماطلة والتسويف والانتظار.
أما على المستوى الآخر وهو الأخطر، تعمل أمريكا على تفريغ الحاضنة العربية والإقليمية للقضية الفلسطينية والتي بدأت بها خطوط السياسة الامريكية تتوضح في المنطقة، مستغلة الهزات العنيفة التي اصابت المنطقة والعمل على اعادة رسم الخارطة السياسية من جديد، بافتعال «نزاعات وهمية» لعدو جديد «مفترض» يهدد المصالح العربية على حساب التهديد الاسرائيلي الوجودي للمنطقة باسرها.
هذه البيئة الإقليمية الراهنة والتحولات الجارية فيها توفر «لصفقة القرن» نسبة عالية من فرص التنفيذ ولو في بعدها الإقليمي، وإن يتحول الصراع العربي- الإسرائيلي إلى صراع ثانوي و فقط ثنائي فلسطيني-اسرائيلي محدود وحول قضايا محدودة .
وأما المستوى الآخر والذى يوفر أيضا فرصة كبيره «لصفقة القرن» التحولات في بنية وموازين القوى الدولية واخلالها لصالح العمل على إيلاء الاهتمام الأكبر «للأعداء الوهميين والمفترضين» في المنطقة وفق الرؤية الأمريكية- الإسرائيلية، على حساب مركزية القضية الفلسطينية و جوهر الصراع العربي- الإسرائيلي.
إن مواجهة صفقة القرن كـ"إطار للتسوية السياسية وليست كـ"إطار للتسوية القانونية لأنها تغرد خارج السرب القانوني للقرارات الدولية، وظيفتها تصفية القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية، تتطلب التوافق على استراتيجية وطنية شاملة تستند إلى حالة وطنية فلسطينية متماسكة وآليات ميدانية فعالة، لتصويب العلاقات الائتلافية داخل م.ت.ف ومؤسساتها، وإعادة بناء هذه العلاقات على قاعدة الديمقراطية التوافقية والشراكة السياسية.