عدن(خالد الحِمْيري/عارف الواقدي):مر شهر، دون حصول أسامة محمود (33 عاماً) على وثيقة جواز السفر من مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية بمدينة عدن (جنوبي البلاد)، ليتمكن من السفر إلى العاصمة المصرية القاهرة للعلاج، رغم تزايد تدهور حالته الصحية، ولديه تقارير طبية تؤكد حاجته لإجراء عملية قلب مفتوح في الخارج.
أسامة الذي سافر من محافظة الحديدة (غربي البلاد) إلى عدن، لاستخراج وثيقة السفر، تحدق به مخاطر مهددة لحياته بسبب تأخره في السفر لإجراء العملية الجراحية، نتيجة عدم تمكنه من الحصول على وثيقة السفر التي أكمل المعاملة لاستخراجها منذ شهر كامل، كما يقول لـ”المشاهد”.
وتوقفت فروع مصلحة الهجرة والجوازات في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، منذ مارس الماضي، عن إصدار جوازات السفر، بسبب نفاد دفاتر الجوازات، ما تسبب في معاناة كبيرة للمواطنين، لاسيما المرضى الذين يحتاجون السفر للعلاج في الخارج.
ويعيد نائب مدير فرع مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية بمحافظة تعز، العقيد صادق المخلافي، أسباب توقف إصدار الجوازات من فروع المصلحة بالمحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة، إلى نفاد دفاتر الجوازات، وأمور فنية ومالية، ما اضطر إدارة المصلحة إلى إيقاف إصدار جوازات السفر للمواطنين.
ويقول لـ”المشاهد” إن عملية إصدار الجوازات بفرع المصلحة بتعز، اقتصرت في الوقت الحالي على الحالات الطارئة لمرضى الفشل الكلوي والسرطان المحتاجين للسفر، بالإضافة إلى جرحى الحرب. لكن أسامة لم تشفع له تقاريره الطبية في التعجل بإصدار وثيقة السفر، وفق ما يقول.
إجراءات معقدة
ويواجه الراغبون في الحصول على جواز سفر، خاصة القادمين من مناطق سيطرة الحوثيين، صعوبات جمة، بعد قطعهم مسافات تستغرق قرابة يوم كامل، للوصول إلى تعز أو عدن الواقعتين تحت سيطرة الحكومة، بحسب أسامة، مشيراً إلى أن المرضى قد يفارقون الحياة جراء تكبدهم عناء السفر الشاق أو الوقوف في طوابير الانتظار في فروع المصلحة.
لأكثر من شهرين والشاب أحمد الغيلي (25 عاماً) ينتظر الحصول على وثيقة جواز سفر من محافظة مأرب (شرقي اليمن)، ليتمكن من السفر إلى السعودية، لكن دون جدوى، بسبب توقف إصدار الجوزات، رغم مشقة السفر التي عاناها أثناء سفره من محافظته عمران (شمال البلاد) إلى محافظة مأرب.
ويقول الغيلي متحسراً: “خسرت فيزا العمل بسبب تأخري في تقديم جواز السفر لاستكمال إجراءات الحصول على الفيزا، بالإضافة إلى خسارتي أكثر من 200 ألف ريال في نفقات السفر والإقامة في مدينة مأرب”، مضيفاً أن جواز السفر يكلف أحياناً أكثر من خمسة أضعاف رسومه القانونية، فضلاً عن صعوبة الوصول إلى مأرب التي بات السفر إليها رحلة محفوفة بالمخاطر بسبب نقاط الحوثيين المنتشرة على الطريق، والتي تمارس تعسفات بحق المسافرين.
سماسرة على أبواب فروع المصلحة
ويقف طالبو جوازات السفر في طوابير طويلة من أجل الحصول عليها، رغم عدم توفرها، بحسب الغيلي، داعياً الحكومة اليمنية إلى رفع الحظر عن الجوازات الصادرة من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وتصف رئيسة منظمة سواسية لحقوق الإنسان، المحامية هبة عيدروس، الفساد الحاصل في المصلحة وأسباب تأخر المعاملات، في تغريدة على حسابها في تويتر يوم 17 ديسمبر الماضي بالقول: ”عندما تجد أعداداً كبيرة من المواطنين من مختلف المحافظات يتواجدون أمام إدارة الهجرة والجوازات فرع عدن، من الساعة الثالثة فجراً، من أجل معاملة الحصول على جوازات سفر، ويقفون كبار السن وصغارهم طيلة النهار في طابور، فهذا يدل على أن هناك خللاً كبيراً مسؤولة عنه الجهات المختصة، وينكم عنه فساد أكبر خفي.
وينتشر على أبواب فروع مصلحة الجوازات، عشرات السماسرة الذين يعرضون تسهيلات على الراغبين في الحصول على وثيقة سفر، ويضعونهم أمام خيارين: إما دفع مبلغ مالي كبير، أو الانتظار في طوابير لا تنتهي.
ويقوم السماسرة المتعاملون مع موظفي فروع المصلحة، في الغالب، باستغلال حاجة المواطنين المصطفين بالطوابير، وعرض تسهيلات ومواعيد قريبة للحصول على الجواز، مقابل مبالغ قد تصل إلى ثلاثة أضعاف قيمة الجواز، كما حصل مع عبدالرحمن سعيد.
وأكد سعيد أنه لم يتمكن من استخراج جواز سفر من فرع المصلحة بمدينة عدن، إلا بعد دفع مبلغ مالي يوازي ثلاثة أضعاف قيمة الجواز لأحد السماسرة، بالإضافة إلى رسوم الجواز.
ويقول لـ”المشاهد” إن السمسار اختصر عليه الكثير من الوقت والجهد، ووفر له جواز السفر من دون أن يضطر إلى الانتظار في طوابير طويلة قد تستمر لأيام، وربما لأسابيع.
واتهم مختار علي، أحد المقدمين للحصول على جواز سفر، مصلحة الجوازات بالوقوف وراء انتشار السماسرة، وقال لـ”المشاهد”: لو لم يكن خلف هؤلاء السماسرة موظفون من داخل المصلحة، لما نجحوا في استخراج الجوازات”.
الظروف المادية الصعبة اضطرت مختار إلى الوقوف بطابور طويل، وقضائه يومين كاملين من أجل إتمام معاملة الحصول على جوازي سفر له ولابنه الأكبر.
ويؤكد أنهم لا يريدون تنظيم أمور المراجعين، والمضي بمعاملاتهم بأسرع وقت ممكن، وإلا لقاموا بإنشاء موقع على الإنترنت يتم الحصول من خلاله على موعد بشكل مباشر دون الحاجة للانتظار في طوابير قد تمتد لأيام.
وتستخرج الجوازات بطريقة سريعة عبر سماسرة بمبالغ باهظة تتراوح بين 50 و80 ألف ريال يمني، بحسب ما وثقاه معدا التحقيق.
جوازات سفر عن بعد
ويتم استخراج جوازات سفر عن بعد عبر مكاتب خاصة دون حضور طالب الجواز إلى أي فرع من فروع المصلحة، مقابل دفعه 100 ألف ريال يمني.
وانتشرت في مدينة مأرب، إعلانات عن وجود مكاتب سفريات وسياحة تقدم خدمة تسهيل استخراج جواز من فرع المصلحة في المحافظة وفق ما أكده مصدر في فرع مصلحة الجوازات بمارب.
وعقب مساومة مرهقة مع أحد السماسرة، نجح الشاب عبدالله حكمي، في دفع مبلغ 80 ألف ريال، للحصول على جواز سفر من محافظة المهرة، دون الحضور ومتابعة الخطوات القانونية التي قد تستغرق وقتاً طويلاً.
ويقول عبدالله لـ”المشاهد”: طلب السمسار مني 100 ألف ريال مقابل استخراج جواز السفر، غير أني رفضت، وبعد مساومة وأخذ ورد تم الاتفاق على دفع 80 ألف ريال، على أن يستخرج السمسار جواز السفر خلال أسبوع واحد، ويرسله لي.
ويضيف: “بقيت في حجة، ولو كنت سافرت إلى المهرة أو أية محافظة واقعة تحت سيطرة الحكومة، سأخسر ضعفي المبلغ في قيمة السكن والمواصلات والطعام، لكن السمسار أوصل جوازي إلى منزلي في محافظة حجة، دون عناء”.
وحول قانونية الحصول على وثيقة سفر عن بعد، وكيفية التأكد من صاحبها، يقول العقيد المخلافي إن ذلك يتم بعلم رئيس المصلحة، ويتم التأكد من طالب الجواز بموجب البطاقة الأصل، ومقارنة صوره مع صور البطاقة الشخصية، مضيفاً أن الرسوم الرسمية لاستخراج الجواز 8000 ريال يمني، تورد إلى صندوق المصلحة.
بيع الجنسية
ومنحت مصلحة الهجرة والجوازات في العاصمة المؤقتة عدن، جوازات يمنية لـ27 مواطناً كويتياً،، بينهم 4 نساء من فئة “البدون”، عن بعد، نظير دفع مبلغ 30 ألف دولار أمريكي، ومنهم الكويتي فرحان محمد مطيران مقرن، وفق ما كشفه كشف مسرب ضم أسماء المذكورين، حصل عليه “المشاهد”.
واتهم السياسي ياسر اليماني في منشور على صفحته بالفيس بوك في يوم 16 ديسمبر الماضي، رئيس مصلحة الهجرة والجوازات، ونجله ونائبه، ومدير النظام الآلي، وبعض موظفي السفارات والقنصليات في الخارج، ببيع جوازات يمنية لجنسيات أجنبية بـ20 إلى 30 ألف دولار، وغالبيتهم شاركوا في عمليات إرهابية ومطلوبون أمنياً.
لكن مصدراً مسؤولاً في مصلحة الهجرة والجوازات، نفى منح جوازات سفر يمنية لأشخاص لا يحملون الجنسية، مقابل مبالغ مالية، مؤكداً أن منح الجواز اليمني يتم عبر سلسلة إجراءات وأوراق ثبوتية، أهمها وجود بطاقة شخصية تؤكد جنسية الراغب في الحصول على جواز السفر، وهو ما يتناقض مع الوثيقة المسربة التي أكدت فساد المصلحة في عدن.
ويتخوف ناشطون من استغلال متطرفين للفساد الذي ينخر مصلحة الجوزات، وانتشار الرشوة في فروعها، للحصول على جوازات سفر يمنية تمكنهم من الانتقال من بلدة إلى أخرى.
ونشأت أزمة الجوازات مع إصدار الحكومة اليمنية مطلع ديسمبر الماضي، قراراً يقضي بمنع التعامل مع الجوازات الصادرة من العاصمة صنعاء وسواها من المحافظات الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين.
ويقبع الجواز اليمني في قاع تصنيف عام 2019، إلى جانب كل من جواز السفر السوري والعراقي والأفغاني والصومالي، وحلّ في الترتيب 103 على المستوى العالمي، ضمن تصنيف هينلي لترتيب جوازات السفر.
صفقة فساد
يتكشّف باستمرار الفساد المستشري في مصلحة الهجرة والجوازات وفروعها في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة، والذي تقوده شخصيات نافذة،.
وكشف الصحفي نبيل الأسيدي، عضو مجلس نقابة الصحفيين اليمنيين، عن صفقة فساد كبيرة أبرمها رئيس المصلحة اللواء محمد الرملي، في الخفاء، مع شركة “فريدوس جي إم بي إتش” (veridos Gmbh) الألمانية، وبدون مناقصة، لطباعة مليون جواز سفر إلكتروني، بقيمة 5 ملايين يورو، والاتفاق على رفع قيمة الصفقة إلى 8 ملايين يورو، أي بزيادة 3 ملايين يورو تذهب لجيب الرملي وعدد من المسؤولين النافذين في الخارجية.
ويؤكد لـ”المشاهد” أحد موظفي مصلحة الجوازات بعدن (طلب عدم الكشف عن اسمه)، تورط قيادات بارزة في المصلحة بصفقات فساد، مشيراً إلى أن رئيس المصلحة ونجله زياد كان لهما النصيب الأكبر من صفقة الثلاثة ملايين يورو.
وأحال محافظ شبوة محمد صالح بن عديو، مطلع يناير الماضي، 3 من موظفي مصلحة الجوازات فرع شبوة، إلى السجن، على ذمة التحقيق، بعد ثبوت تورطهم في قضايا فساد وتلقي رشاوى من المواطنين مقابل تسهيل معاملاتهم في مصلحة الجوازات.
وطالب أحمد المسيري نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية في مذكرته الموجهة إلى رئيس مصلحة الجوازات في 4 ديسمبر الماضي بموافاته بكشوفات تفصيلية بايرادات المصلحة من القنصليات في الخارج من يناير حتى نهاية نوفمبر 2018 وايرادات ونفقات المصلحة في فروعها في الداخل لنفس الفترة، وكشوفات مرتبات موظفي المصلحة لشهر أغسطس الماضي.
لماذا تأخر وصول دفاتر الجوازات؟
وأعدت مصلحة الهجرة والجوازات دراسة لتجهيز طبعة جديدة لمليون نسخة من جوازات السفر، في ألمانيا، تحمل رمز قلعتي القاهرة وصيرة وشجرة الغريب، بحسب العقيد المخلافي، مضيفاً أن الدراسة أخذت وقتاً لدى الجهات المختصة للموافقة عليها.
ويؤكد المخلافي أن الأمور المالية أخرت تجهيز الجوازات، لأن ألمانيا لم توافق على توريد تكاليف الطباعة في البنك المركزي اليمني، وربما يكون هناك اختلاف على عمولات وغيرها، مما اضطر الجهات المختصة إلى طبع 50 ألف نسخة من الطبعة القديمة، لكنه يتوقع أن تصل الجوازات بشكلها الجديد في نهاية أبريل الجاري.